الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان الأطهران على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين أجمعين وبعد :
( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )
لقد اختلف العلماء في آل البيت من هم وذلك على عدة أقوال ولكن كل هذه الأقوال تشمل علي وفاطمة وذريتهما ولكن الخلاف حول نساء النبي صلى الله عليه وسلم وحول بني هاشم الذين حرموا الصدقة وسنذكر هذه الأقوال وهي :
القول الأول : آل البيت هم كل من حرم الصدقة وهم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس وكذلك يدخل في هذا نساء النبي صلى الله عليه وسلم المطهرات رضوان الله عليهن للحديث الذي أخرجه مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أذكركم الله في أهل بيتي ، فقيل: لزيد رضي الله عنه: ومن أهل بيته، أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر، وآل عباس .
وكذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أنَّه ذهب هو والفضل بن عباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبان منه أن يُولِّيهما على الصَّدقةِ ليُصيبَا مِن المال ما يتزوَّجان به، فقال لهما صلى الله عليه وسلم: إنَّ الصَّدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنَّما هي أوساخُ الناس ، ثمَّ أمر بتزويجهما وإصداقهما من الخمس.
وإلى هذا القول ذهب جمهور العلماء
القول الثاني : آل البيت هم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة وعلي وأبنائهما رضوان الله عليهم أجمعين وقد ذهب أكثر أهل العلم والتفسير إلى أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يدخلن في قوله تعالى ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) لأن نساء الرجل هن من أهل بيته وهذا ثابت في اللغة العربية
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن في تفسير هذه الآية قال الزجاج: قيل يراد به نساء النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: يراد به نساؤه وأهله الذين هم أهل بيته ، ولأن بداية الخطاب كانت لنساء النبي صلى الله عليه وسلم
وقال القرطبي : والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم. وإنما قال: "ويطهركم" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليا وحسنا وحسينا كان فيهم، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر، فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت، لأن الآية فيهن، والمخاطبة لهن يدل عليه سياق الكلام. والله أعلم. أما أن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسنا، فدخل معهم تحت كساء خيبري وقال: (هؤلاء أهل بيتي) - وقرأ الآية - وقال: (اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله ؟ قال: (أنت على مكانك وأنت على خير) أخرجه الترمذي وغيره وقال: هذا حديث غريب. وقال القشيري: وقالت أم سلمة أدخلت رأسي في الكساء وقلت: أنا منهم يا رسول الله؟ قال: (نعم).
وجواب النبي صلى الله عليه وسلم وقوله لأم سلمة نعم يكفي دليلا على كونها من أهل بيته
وقد قال بهذا القول جمهور العلماء وقد اجمعوا على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم هن من أهل بيته وذلك لدخولهن في أهل بيته ولأنهن حرمن الصدقة وزوجاتُه صلى الله عليه وسلم داخلاتٌ تحت لفظ (( الآل )) ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ الصَّدقةَ لا تَحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآل محمَّد ))، ويدلُّ لذلك أنَّهنَّ يُعطَيْن من الخُمس، وأيضاً
ما رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه (3/214) بإسنادٍ صحيح عن ابن أبي مُلَيكة: (( أنَّ خالد بنَ سعيد بعث إلى عائشةَ ببقرةٍ من الصَّدقةِ فردَّتْها، وقالت: إنَّا آلَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لا تَحلُّ لنا الصَّدقة )) ومِمَّا ذكره ابن القيِّم في كتابه (( جلاء الأفهام )) (ص:331 - 333) للاحتجاج للقائلِين بدخول أزواجه صلى الله عليه وسلم في آل بيته قوله: (( قال هؤلاء: وإنَّما دخل الأزواجُ في الآل وخصوصاً أزواجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تشبيهاً لذلك بالنَّسَب؛ لأنَّ اتِّصالَهُنَّ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غيرُ مرتفع، وهنَّ محرَّماتٌ على غيرِه في حياتِه وبعد مَمَاتِه، وهنَّ زوجاتُه في الدنيا والآخرة، فالسَّببُ الذي لهنَّ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قائمٌ مقامَ النَّسَب، وقد نصَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على الصلاةِ عليهنَّ، ولهذا كان القولُ الصحيح - وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله ـ أنَّ الصَّدقةَ تحرُمُ عليهنَّ ، لأنَّها أوساخُ الناسِ، وقد صان اللهُ سبحانه ذلك الجَنَابَ الرَّفيع، وآلَه مِن كلِّ أوساخِ بَنِي آدَم.